لماذا أقسم الله في سورة العاديات بالخيل؟ تُمثّل فواتح السور القرآنية مَداخل بلاغية عميقة تُهيّئ المتلقي لاستقبال الرسالة المحورية للسورة، ويأتي القسم الإلهي في مطلع سورة العاديات ليُشكل نموذجاً فريداً لهذا النهج. تبدأ السورة بقسم مُركز ومُصور لعملية جهادية ديناميكية: “وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا * فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا * فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا”. إن هذا الاستهلال، الذي يتناول الخيل بوصفها كائناً مجاهداً ومُطيعاً يندفع بكل قوة وطاقة، يُثير تساؤلاً جوهرياً يتجاوز الوصف السطحي: ما هي الحكمة الكامنة وراء اختيار الله عز وجل هذا المخلوق المُحدد، بهذه الأوصاف الحركية المتسارعة (الجري، اللهث، إخراج الشرر، الإغارة)، ليكون محل القسم؟ قبل أن نجيب على سؤال لماذا أقسم الله بالخيل في سورة العاديات، نوضح فيها معنى قسم الله تعالى بالعاديات وهي الخيل المسرعة حين تعدو، وتجري للغارة في المعركة في سبيل الله، والضبح هو اصوات الخيل عندما تعدو هي المقصود بالعاديات في قوله تعالى (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا) ، وهذا الصوت ليس بصوت صهيل الخيل، او حمحمة الخيل، وهو الصوت الذي يسمع من الفرس عندما يعدو، اي ان الضبح هو صوت الخيل وصهيلها. واختلف العلماء في المراد بالعاديات، لكن ما يتفق عليه الاكثرية هو ان المقصود هو الخيول، لان باقي الفاظ الايات، مثل الضبح لا تكون الا للفرس، ولا يمكن ان تكون للإبل، وقوله تعالى ( فالمغيرات صبحا )، ينطبق على الخيل، وروي عن ابن ...
منذ فجر الحضارة، لم تكن الخيل مجرد دابةٍ في بلاط الملوك، بل كانت رمزاً من رموز السيادة، ومقياساً للقوة، ومرآة تعكس عظمة الحاكم وهيبته. ففي كل حقبةٍ من التاريخ، ومن كل بقعةٍ من الأرض، نسجت الخيل مع الملوك والأمراء قصصاً لا تُنسى، امتزج فيها الواقع بالأسطورة، والحكمة بالفخر. هذه العلاقة العميقة، التي تجاوزت حدود المنفعة لتصل إلى مرتبة القداسة أحياناً، هي ما جعل الخيل جزءاً لا يتجزأ من تاريخنا العظيم. الخيل في التاريخ: من القوة العسكرية إلى الرمز الملكي لقد أدرك الحكام على مر العصور أن قوة الدولة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بقوة خيولها. ففي مصر المملوكية، على سبيل المثال، بلغ الاهتمام بالفروسية أوجه، إذ كانت الدولة تعتمد بشكل أساسي على سلاح الفرسان. وقد كان السلاطين والأمراء يجتهدون في الإكثار من الخيول الأصيلة، فبعثوا في طلبها من برقة، واليمن، والحجاز، والشام، والعراق، والبحرين، مما يؤكد أن الخيل كانت بمثابة العمود الفقري للقوة العسكرية في تلك الحقبة. ولم يقتصر دور الخيل على الحرب فحسب، بل امتد ليشمل المواكب الرسمية والأعياد، مما أضفى عليها بُعداً احتفالياً يعزز من هيبة الحاكم وسلطته. وفي الأندلس، كان ملوك بني الأحمر من بني نصر، يتباهون باهتمامهم بالخيل، حتى أن مؤلف كتاب الخيل، ابن جزي، أشار إلى أن الداعي إلى تأليف كتابه كان رغبة السلطان ...