لم تكن سرعة الخيل الخارقة وقدرتها على التحمل في المعارك والسباقات وليدة الصدفة، بل كانت نتاجاً لعلمٍ دقيق وممارسةٍ منهجية أبدع فيها العرب. لقد أدرك الأجداد أن الجواد، حتى وإن كان من سلالة أصيلة، يحتاج إلى إعدادٍ خاص قبل أن يمتطي صهوة المجد. هذا الإعداد، الذي أطلقوا عليه اسم “التضمير”، كان بمثابة سرٍّ من أسرار الفروسية القديمة، يمزج بين التغذية والجهد والرعاية، لتحويل الخيل من حيوان عادي إلى بطلٍ لا يُشق له غبار. إنها رحلةٌ فريدة، تبدأ من المربط وتنتهي في ساحة المعركة، وتكشف عن عبقريةٍ عربية في فهم فسيولوجيا الخيل، لم تكن مجرد هواية، بل علماً ومنهجاً. ما هو التضمير؟ رحلة علمية نحو الخفة والقوة “التضمير” هو مصطلح عربي قديم يُقصد به تهيئة الخيل وتدريبها بشكل مكثف لتصبح جاهزة للسباق والجهاد. هذه العملية لا تهدف فقط إلى زيادة سرعة الخيل، بل إلى تحقيق التوازن الأمثل بين القوة الجسدية والخفة، مما يزيد من قدرتها على تحمل المسافات الطويلة والجهد الشديد. وقد كانت هذه العملية دقيقة ومنهجية، وقد وردت في المصادر التاريخية بوضوح تام، مما يثبت أنها لم تكن مجرد ممارسة عشوائية، بل كانت نظاماً محسوباً يهدف إلى تحقيق أقصى أداء مع الحفاظ على صحة الحيوان. هذا الفهم المتقدم يضع العرب في مصاف الحضارات التي أدركت قيمة التدريب المنهجي والإعداد المسبق. ...